Call of Hope

The message of the Bible
Search

الكنز الجليل في تفسير الانجيل

إن الغاية من كتابة هذا السفر ما ذُكر في أوله وهو «إعلان يسوع المسيح الذي أعطاه إياه الله ليري عبيده ما لا بد أن يكون عن قريب». وهو بيان حال الرب كما هي الآن في السماء لتعليم شعبه وتعزيتهم. وعلى هذا يكون معظم هذا السفر نبوءة بأحوال الكنيسة في المستقبل في مجاهدتها ومحاربتها قوات الشر وانتصاراتها ودينونة أعدائها أخيراً منذ أيام المسيح إلى نهاية العالم لأن هذه هي الأمور التي تختص بعبيده (ع 1). وعبر عن ذلك برؤى تُعلن الأمور المستقبلة بطرق مختلفة وفي أثناء تلك الرؤى أقوال تعليمه للتعزية والتنشيط. وذكر فوق بيان الأمور المستقبلة بعض الأمور الماضية والحاضرة وقد تم بعض النبوءة وبعضها أخذ في أن يتم وبعضها سيتم في ما لم يعين من المستقبل. وأما قوله «لا بد أن يكون عن قريب» فيجب أن نفهمه بحسب نظر الله الذي «ألف سنة في عينيه كيوم واحد» وبمقتضى أقوال هذا السفر عينه فإنه بمقتضاها أن بعض نبوآته يقتضي تمامه ما يزيد على ألف سنة. ولعل المراد بقوله «يكون عن قريب» إنه يأخذ بعد قليل في سبيل المجاز. وأعظم حادثة أنبأ بها هذا السفر هي مجيء المسيح ثانية فكما أن أعظم مواضيع نبوءات العهد القديم مجيء المسيح الأول كذلك أعظم مواضيع هذه النبوءة مجيء المسيح الثاني. وانتصار ملكوته بالحوادث السابقة له والمقترنة به. وهذا الموضوع ذُكر في أول السفر وكُرر كثيراً فيه وخُتم السفر به.
ذكر يهوذا بعد التحية والدعاء (ع 1 و2) قصده من الرسالة والأسباب الحاملة على كتابتها (ع 3 و4). وهي قسمان: القسم الأول: أمثلة عدل الله في عقاب الأشرار الذين يشبههم المعلمون الكاذبون الفاسدون. وذكر منهم ثلاثة المتمردين من الإسرائيليين (ع 5) أيضاً بأنهم مدمدمون مشتكون سالكون بحسب شهواتهم وما أشبه ذلك مما يشق الكنيسة ويحمل على ترك الإيمان والطهارة (ع 16 - 19). والقسم الثاني: حث المؤمنين على أن يتقووا في الإيمان والصلاة والتقوى والرجاء (ع 20 و21) ونصحه لهم في معاملة الذين أضلهم المعلمون المفسدون وإن المعاملة تختلف باختلاف خطاياهم (ع 22 و23) وختمه الرسالة بكلمات التعزية والتسبيح (24 و25). ومن الواضح قوة المشابهة بين هذه الرسالة ورسالة بطرس الثانية ولا سيما بين (يهوذا 3 - 18 و2بطرس 2: 1 - 18) فمن البيّن أن أحدهما قد رأى رسالة الآخر واقتبس منها. واختلف المفسرون في السابق منهما ولا سبيل لنا إلى القطع لكن نرى سبباً كافياً للمشابهة إذا رأينا كما رأى كثيرون من أن بطرس كتب ما كتبه على سبيل النبوة (2بطرس 3: 3) وإن ما كتبه يهوذا كان بياناً لنجاز تلك النبوة فاستعمل يهوذا الكلمات التي استعملها بطرس عيتها ليبيّن أنها نجزت نجازاً تاماً كما يتضح من (يهوذا 17 و18).
إذا نظرنا إلى باطن هذه الرسالة وجدنا أنها خطاب موجه إلى اليهود المسيحيين الذين كانوا في خطر الارتداد فحثهم الكاتب على الثبات في الإيمان المسيحي وحذرهم من الرجوع إلى الديانة اليهودية. وهي في غاية الموافقة لهذا الغرض العظيم لأن الكاتب قد أثبت فيها فضل الديانة المسيحية على اليهودية وأنها الحقيقة التي أشارت إليها رموز الشريعة الموسوية وتمت فيها. والديانة المسيحية كما رسمها المؤلف عهد بين الله والناس وبموحب هذا العهد هو إلههم وهم شعبه (ص 8: 10) فلا يذكر خطاياهم بل هم مقدسون بتقديم جسد يسوع المسيح مرة واحدة (ص 10: 10) والعهد المرموز إليه والذي رجاءه شعب الله صار حقيقة بالمسيح وهو ثابت وباق إلى الأبد لأن المسيح حي في كل حين (ص 9: 12).
الغاية من كتابة هذه الرسالة تظهر من نصها وهي أن أنسيمس عبد فليمون أبقَ بعد ما اختلس من ماله (ع 18) وهرب إلى رومية وتعرف فيها بالرسول إذ كان له حينئذ أن يستقبل كل من أتى إليه (أعمال 28: 30) واهتدى به إلى المسيح. وكانت نتيجة إيمانه بالمسيح وتعليم الرسول أنه رغب أن يرجع إلى خدمة سيده ولما رجع إليها بعث معه هذه الرسالة والتمس فيها من فليمون أن يعفو عن عبده وينسى ما مضى منه ويرضى عنه وأن يرده إلى خدمته لا عبداً بل أخاً في المسيح وأنه متيقن أن فليمون «يفعل أكثر مما قال» (ع 21) أي طلب. وقال لفليمون إن ما يظهره لأنسيمس من اللطف يحسبه معروفاً له وأن يوفيه كل ما خسره بخيانة عبده وحين طلب عفوه عن عبده سأله أن يعد له منزلاً في بيته لأنه متوقع أن يأتي إليه بعد قليل. مما اختصت به هذه الرسالة أنها وحدها من رسائل بولس كُتبت لغاية خاصة لا لتثبيت عقائد دينية من رسائل إصلاح خلل في السيرة. وأن الرسول لم يكتبها باعتبار كونه رسولاً بل باعتبار كونه صديقاً لصديق مسيحي أو أخاً في المسيح لأخ فيه فكان مثالاً في الصداقة والتواضع والملاطفة والأنس و الرقة وحسن الذوق والحكمة والبراعة. وفي طلبه العفو عن أنسيمس لم يرد أن يستخف على عبده لكنه سأله أن ينزل عن حقوقه ولم يخاطبه بولس كأن له عليه حق الإطاعة بل كمن يسأل معروفه. فالتماس بولس إلى فليمون في أمر عبده أنسيمس يشبه بعض الشبه شفاعة المسيح إلى الآب من أجلنا لأن المسيح يلتمس إلى الآب بمحبة وتواضع أن لا يعاملنا بمقتضى ما نستحقه على آثامنا بل بمقتضى نعمته إكراماً لابنه الذي يشفع فينا فيسأله المغفرة لنا والرضى عنا فتكون نسبتنا إلى المسيح كنسبة أنسيمس إلى بولس. ومما اختصت به هذه الرسالة بيان النسبة بين الديانة المسيحية والاسترقاق فلا توجب على السادة تحرير عبيدهم في الحال بل تعد الطريق إلى إبطال الاسترقاق رويداً رويداً للمنافاة بين العبودية وتعليم المسيح إن كل المسيحيين إخوة وأن المؤمنين واحد في المسيح (متى 23: 8 و9 ويوحنا 17: 21).
الذي كُتبت هذه الرسالة إليه تيطس وكل ما نعلمه من أمره علمناه من هذه الرسالة ومما كتب في (2كورنثوس 2: 12 و13 و7: 6 و13 و24 و8: 6 و12: 18 وغلاطية 2: 1 - 3 و2تيموثاوس 4: 16). والذي علمناه أنه كان من الأمم ولعله وُلد في أنطاكية واهتدى إلى الإنجيل بواسطة بولس لأن بولس دعاه «الابن الصريح» (تيطس 1: 4). ولما آمن أخذه بولس معه ومع برنابا إلى أورشليم سنة 50 ب. م باكورة الإنجيل من الأمم وأبى أن يختنه إجابة لطلب مؤمني الكنيسة هنالك تأييداً لحرية الإنجيل. وبعد ذلك حمل رسالة بولس الأولى إلى كنيسة كورنثوس وكان بولس يتوقع رجوعه إليه بجواب الرسالة وهو في ترواس على غاية الرغبة في ذلك وإذ لم يستطع أن يحتمل الانتظار ذهب إلى مكدونية ليلاقيه ثم أرسله من هناك بالرسالة الثانية إلى كورنثوس وأمره بإتمام جميع الإحسان فيها لفقراء أورشليم. ولم يذكر لوقا اسمه في سفر الأعمال لكن يظهر من هذه الرسالة أنه رافق بولس في سفره إلى كريت وأنه تركه هنالك لكي يتمم العمل الذي ابتدأه الرسول فيها. وحين كتب بولس رسالته الثانية إلى تيموثاوس (2تيموثاوس 4: 10) كان تيطس في دلماسية والمرجح أنه ذهب إلى هنالك للتبشير. ومما قيل فيه نستنتج أنه كان من أحب الرفقاء إلى بولس وممن وثق بهم كثيراً إذ دعاه أخاً ورفيقاً وعاملاً معه واعتقد أنه حكيم ومجتهد وأمين بدليل قوله لأهل كورنثوس «أَمَّا مِنْ جِهَةِ تِيطُسَ فَهُوَ شَرِيكٌ لِي وَعَامِلٌ مَعِي لأَجْلِكُمْ» وهو أحد الأخوين اللذين ذكرهما بولس بقوله «أَمَّا أَخَوَانَا فَهُمَا رَسُولاَ ٱلْكَنَائِسِ، وَمَجْدُ ٱلْمَسِيحِ» (2كورنثوس 8: 23).
قيل في هذه الرسالة أن الداعي إلى كتابتها أن يأتي تيموثاوس إليه سريعاً مصحوباً بمرقس لغياب من كان يعتمدهم (ص 1: 4 و4: 9 - 12 و21). وكان في ريب من مستقبله متردداً بين أن يرى ابنه في الإيمان أيضاً وأنه يموت قبل وصوله إليه لذلك كتب له وصايا أبوية موافقة لمقتضى الحال معظمها حثه إياه على الثبات والأمانة.